الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية في حوار خاص: وزير العدل يتحدث عن الإرهاب والمخدرات في السجون ويكشف...

نشر في  02 سبتمبر 2015  (11:22)

قانون الزطلة الجديد أصبح جـــاهزا وهــذا ما يميّــزه

النيابة العمومية لن تتوانى عن تتبع كل من يدعو الى العنف والجهاد

التقت أخبار الجمهورية في هذه المساحة بوزير العدل محمد صالح بن عيسى للحديث عن العديد من المواضيع الحساسة التي تشغل بال المواطن التونسي هذه الأيام على غرار قانون «الزطلة» وتسييس قطاع القضاء واستفحال الرشوة وحقيقة اختراق الهواتف الجوالة والمخدرات لأسوار السجون التونسية.. حول هذه القضايا المطروحة على الساحة العامة وغيرها كان هذا الحوار الذي ندعوكم للاطلاع على فحواه:

في البداية، أين وصلتم في إجراءات تنقيح ما يعرف  بقانون عدد 52؟
القانون الجديد أصبح جاهزا، والشيء المميز فيه أنه يقطع مع القانون 52 المعمول به حاليا عبر منح القضاة السلطة التقديرية في الحكم واللجوء إلى ظروف التخفيف عبر استبدال عقوبة السجن بسنة للمستهلكين بعقوبات بديلة كالأشغال من أجل المصلحة العامة.
وسيعتمد مشروع القانون الجديد المتعلق بالوقاية والعلاج من تعاطي المخدرات ومكافحة التعامل غير المشروع بها والمنقح للقانون عدد 52 لسنة 1992 على جملة من المحاور والتوجهات تتجسد خاصة في اعتماد مفاهيم جديدة في التشريع قائمة على مبدأي الوقاية والعلاج في مكافحة تعاطي المخدرات لا سيما وأن المقاربة القديمة القائمة على الشدة والصرامة في العقاب لم تحل دون تنامي ظاهرة انتشار المخدرات.
كما يتضمن مشروع القانون إجراءات جديدة للمبتدئين من المستهلكين على غرار الإفراج المشروط بقبول مبدأ العلاج بصفة مبكّرة والمتابعة الصحيّة والاجتماعيّة والنفسيّة والإسعاف من تنفيذ العقاب البدني وإمكانيّة استبدال عقوبة السجن بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامّة.
وفي المقابل، سيتضمن القانون الجديد ترفيعا في الحدّ الأدنى والحد الأقصى من العقوبات بالنسبة للمروّجين أو من يكوّنون عصابات أو شبكات في المجال.
- يتهم بعض النشطاء والإعلاميين الوزير الأسبق نور الدين البحيري بأنه «سيّس» القضاء وجعله أداة في قبضة البعض، فماهو تعليقكم؟
تجدر الإشارة إلى أن وزير 2011 ليس وزير 2013 وليس هو كذلك وزير 2014، يعني أنه لكل وزير إستراتيجية وسياسة معينة في العمل الوزاري ومعالجة الملفات.. أعتقد أنّ فترة نور الدين البحيري أعطته هامشا كبيرا من الوقت ووسعت من رقعة صلاحياته كوزير حيث لم يكن هنالك مجلس أعلى للقضاء وهيئة وقتية للقضاء  العدلي . وهو ما مكنه من اتخاذ العديد من القرارات التي مازالت تداعياتها تنعكس على المؤسسة القضائية خاصة في ما يتعلق بمسألة التعيينات أو إعفاء بعض القضاة.
- هل وقع الضغط عليكم كوزير في بعض القضايا؟
لا أبدا فأنا لن أسمح ولم أسمح بأن يقع الضغط علي سواء كنت وزيرا أو شخصا عاديا.. لقد تعهدت قبل مسك زمام الوزارة أن أخدم وطني بكل تفان ووفاء.  
- اتهمت كل من الحقوقية بسمة الخلفاوي والنائبة مباركة البراهمي بعض القضاة بعدم الحزم والجدية في قضية الشهيدين بلعيد والبراهمي، هل تمّ التحقيق في هذه الاتهامات في ظل بروز العديد من المآخذ نحوهم ؟
 لقد أذنت النيابة العمومية منذ حصول الواقعة بفتح بحث تحقيقي ضد كل من سيكشف عنه البحث، وتولى قاضي التحقيق التوجه إلى مكان الواقعة وقام بالمعاينات اللازمة وحضر عملية التشريح، كما تولى سماع عديد الشهود وأذن بإجراء الاختبارات الفنية التي اعتبرها لازمة، كما أسند قاضي التحقيق إنابة قضائية للوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الارهاب. ولكن أقول صحيح أن هناك بطئا في سير التحقيق وهذا يعزى إلى تشعب القضية ودقة الكشف عن مختلف جوانبها. وفي ما يخص المآخذ بعدم الحزم والجدية فإن الوزارة تلقت تظلما في هذا الصدد وهي حاليا بصدد النظر في صحة هذه المآخذ والعمل على المزيد من النجاعة على سير التحقيق.
وبالنسبة إلى قضية اغتيال عضو المجلس الوطني التأسيسي الشهيد محمد البراهمي فقد أذنت النيابة العمومية كذلك منذ حصول الواقعة بفتح بحث تحقيقي ضد كل من سيكشف عنه البحث وقام بكل الأعمال المستوجبة وأسند إنابة قضائية للوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الارهاب، كما أصدر قاضي التحقيق قرارا في ختم البحث يقضي بإحالة 23 متهما على الحالة التي هم عليها صحبة ملف القضية والمحجوز على دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس من أجل الجرائم الإرهابية المنسوبة إليهم إضافة إلى أنّ دائرة الاتهام قررت بجلسة يوم 23 / 04 / 2015 إحالة المتهمين على الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل الجرائم المنسوبة إليهم  وقررت رفض مطالب الإفراج، ومن المفيد التذكير  بأن وزارة العدل ليست لها أي سلطة على قضاة التحقيق الذين يعملون باستقلالية تامة وليس لوزير العدل بصفته رئيس النيابة إلا أن يقدم ملحوظاته وطلباته لا غير، مع التأكيد على أن وزارة العدل بواسطة التفقدية العامة يمكنها التثبت والتحقيق في الحالات التي يتبين فيها إخلال واضح بما يوجبه القانون، ولفت النظر لضرورة تدارك النقائص التي قد تشوب سير التحقيق بصفة عادية.         
- كشف نقابيون أمنيون معلومات خطيرة تفيد بتسريب محاضر ووثائق من مكاتب عدد من القضاة لفائدة الإرهابيين، فلماذا لم تتحرك النيابة العمومية لفتح تحقيق في الغرض وهل وقع بحث جدي لكشف المتورطين في ارتكاب هذا الجرم؟
ردا على سؤالك، أريد أن أشير إلى خطورة هذه الأفعال إن ثبتت صحتها، علما وأن النيابة العمومية لم تتوان في التحرك كلما أثيرت مثل هذه المسائل وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية  بتونس بإجراء بحث تحقيقي في الموضوع و لازالت الأبحاث جارية بشأن بعض تلك الادعاءات وهناك قضية لا تزال محل متابعة من قبل الجهات القضائية المعنية.
- لماذا لا تتحرك النيابة العمومية عندما يدعو بعض الأئمة المتطرفين إلى العنف والجهاد؟
 عموما إن إثارة الدعوى العمومية لا تتوقف على وجود شكاية وذلك على معنى الفصل الثالث من مجلة الإجراءات الجزائية ويعني ذلك أن النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية كلما بلغ العلم لها بوجود شبهة أفعال يعاقب عليها القانون الجزائي، وسواء كان بلوغ العلم بواسطة وسائل الإعلام بمختلف أصنافها أو بواسطة إعلام أو إخبار من أي شخص أو جهة كانت أو بواسطة التشكي مباشرة لدى النيابة العمومية أو لدى مأموري الضابطة العدلية المخوّل لهم قانونا تلقي الشكايات على معنى الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية (رؤساء مراكز الشرطة والحرس....).  وعليه فإن النيابة العمومية لا تتوانى عن إثارة الدعوى العمومية وممارستها سواء بصورة تلقائية أو كلما بلغها العلم ضد كل من يدعو إلى العنف والجهاد بما في ذلك الأئمة الذين يدعون إلى مثل هذه الأفعال.
- هل من مثال؟
 تولت النيابة العمومية إثارة الدعوى العمومية في أكثر من مناسبة ضد أئمة دعوا من منابرهم إلى العنف والجهاد بعد أن بلغها العلم بهذه الأفعال على غرار التتبعات الجزائية التي شملت إمام جامع براكة الساحل والذي  أذنت النيابة العمومية بابتدائية تونس في 10/4/2014 بفتح تحقيق ضده  تحت عدد 30427 لدى قاضي التحقيق الرابع من أجل الدعوة إلى ارتكاب جرائم إرهابية، وقد انتهت الأبحاث بإحالته على دائرة الاتهام لتتخذ في شأنه ما تراه من أجل الأفعال المنسوبة إليه. وكذلك التتبعات التي تعلقت خلال شهر مارس 2014  بكل من إمام جامع الرحمة بحي الخضراء ومؤذن ذات الجامع من أجل مخالفة قانون المساجد وقُضي من طرف محكمة ناحية تونس بسجن كل واحد منهما مدة شهر واحد.
- لماذا لم يتم بعث قطب قضائي مختص في القضايا الإرهابية إلى يومنا هذا؟
تعطّل إحداث القطب القضائي لمكافحة الإرهاب لارتباطه بصدور القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال والذي صدر بموجب القانون الأساسي عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 وتم بمقتضاه إحداث بدائرة محكمة الاستئناف بتونس قطب قضائي لمكافحة الإرهاب يتعهد بالجرائم الإرهابية ويتكوّن من ممثلين للنيابة العمومية وقضاة تحقيق وقضاة بدوائر الإتهام وقضاة بدوائر جناحية و جنائية بالطورين الإبتدائي والإستئنافي.
  ويتم اختيار وتسمية هؤلاء القضاة من طرف الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي وذلك حسب تكوينهم وخبراتهم في القضايا المتعلقة بالجرائم الإرهابية وبعد فتح باب الترشحات في خصوصها.   
 علما وأنه تم منذ قرابة السنة تخصيص بناية تضم كلاّ من القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب الأمني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتم توفير جميع المرافق والتجهيزات اللازمة وقد تولت الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي يوم 24 أوت 2015 القيام بالإجراءات اللازمة لتعيين القضاة الذين سيباشرون مهامهم صلب القطب القضائي في جميع المستويات (نيابة، تحقيق، اتهام وحكم ابتدائي واستئنافي).  مع الإشارة إلى أن القطب باشر أعماله فعليا منذ ما يزيد عن السنة وتعهد بالتحقيق في عديد الملفات مع إحالة من استوفى منها طور التحقيق إلى الجهات القضائية المختصة.
- هناك من يعتبر أنّ الرشوة استفحلت عند بعض القضاة منذ زمن الترويكا؟
تعتبر جريمة الرشوة من أصعب الجرائم إثباتا وهي تقوم عادة على توفر توافق بين جميع أطرافها (راش ومرتش أو وسيط) لذلك سعى المشرع إلى إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة في حال الإخبار تلقائيا قبل كل محاكمة وذلك لغاية التشجيع على الكشف عنها.
وتعتبر جريمة الإرتشاء المنسوبة للقاضي أكثر خطورة لذلك شدّد المشرع في العقوبة التي قد تصل في بعض الصور إلى السجن مدة عشرين سنة.
هذا ولم تسجل قضايا جزائية ضد قضاة من أجل شبهة ارتكاب الرشوة خلال الأربع سنوات الأخيرة كما لم تسجل تتبعات تأديبية ضد قضاة في هذا الخصوص .
علما وأن التفقدية العامة تعهدت ببعض الشكايات إما من مواطنين أو من أشخاص مجهولي الهوية تنسب لبعض القضاة شبهة الفساد المالي وقد باشرت التفقدية العامة التحريات اللازمة ولم تنته إلى إثبات توفر الأركان القانونية لجريمة الرشوة أو توفر الحجة الكافية لذلك على المشتكى بهم، ويعزى هذا بالخصوص إلى صعوبة إثبات هذه الجريمة خاصة في حال اتفاق بين مرتكبيها.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة العدل عن طريق التفقدية العامة تتولى التحري والبحث في جميع العرائض التي ترد عليها بما في ذلك مجهولة المصدر إذا انبنت على معطيات دقيقة جديرة بالبحث والمتابعة، وهي مقرة العزم على بذل كل ما في وسعها للتصدي لهذه الجريمة النكراء ومكافحتها.
- هل مازالت السجون التونسية إلى يومنا هذا مفتوحة أمام الأئمة المتشددين كما وقع في السابق؟
لم تعد السجون التونسية مفتوحة للأئمة المتشددين لإلقاء دروس دينية بصفة اعتباطية بعد ابرام اتفاقية مع وزارة الشؤون الدينية التي تتكفل بتعيين قائمة الأئمة الذين سيقومون بمداخلات أو بإلقاء دروس بالوحدات السجنية ويتم اعداد هذه القائمة بصفة دورية اثر عقد جلسة تجمع ممثلين من وزارة الشؤون الدينية والإدارة العامة للسجون والإصلاح.
- ما هو رأيكم بخصوص التصريحات التي أكدت انتشار المخدرات والهواتف داخل السجون؟
تم القضاء بنسبة هامة على هاتين الظاهرتين وذلك بوضع خطة شاملة لجميع السجون وفيما يخص المواد المخدرة تم اقتناء أجهزة متقدمة لتفتيش القفاف الواردة على المودعين (Rayon x) لإحباط عمليات إدخال الممنوعات إليهم وللحد من إمكانية إخفائها داخل هذه القفاف، كما تم تكوين فرق مختصة في استعمال هذه الأجهزة متكونة من أعوان السجون والإصلاح . أما بالنسبة إلى الهواتف الجوالة فقد تم اقتناء وتركيز أجهزة دقيقة متطورة ومعدات جديدة كاشفة لأجهزة الهواتف الجوالة بكل الوحدات السجنية بحيث يتم الكشف عن وجودها داخل الوحدة. هذا فضلا عن القيام بعمليات تفتيش، منها ماهو مركزي أسبوعي على مختلف الوحدات السجنية ومنها ماهو إجراء يومي روتيني. كما أنه تم وضع مخطط عملياتي خماسي أخذ بعين الاعتبار هذا الموضوع، من ذلك أنه تمّ إحباط 76 محاولة إدخال مواد مخدرة سنة 2014 (أقراص مخدرة، أكلة ممزوجة بمادة مخدرة وأجهزة هاتف جوال) كما أنه لوحظ تقلص في محاولات إدخال الممنوعات إلى الوحدات السجنية بشكل ملحوظ بفضل المجهودات المبذولة من طرف الأعوان بحيث تم تسجيل حالة واحدة تتمثل  في إحباط محاولة إدخال هاتف جوال سنة 2015.
- كيف تصدت الوزارة  لمحاولة الهجوم على سجن المرناقية وهل اتخذتم إجراءات وقائية واستباقية لحمايتها؟
تصدّت وزارة العدل إلى التهديدات الإرهابية لسجن المرناقية برسم استراتيجية أمنية لضمان الحد الأقصى في تأمينه وذلك باتخاذ كل التدابير الأمنية اللازمة بالتنسيق مع الجهات المعنية والكفيلة بحماية الوحدات السجنية، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج في تكوين الأعوان المختصين في هذا المجال.
- في الختام، ماهي الرسالة التي يريد وزير العدل إبلاغها إلى الشعب التونسي؟
أقول لهم إنّ تونس تحتاج إلى جميع أبنائها مهما اختلفت أجناسهم وانتماءاتهم وفئاتهم أو جهاتهم، اليوم وطننا يواجه خطر الإرهاب الذي يترصد بنا من كل صوب لذلك وجب التعاضد والتكاتف والتلاحم حول هذا الوطن العزيز حتى ننأى به عن كل المعضلات.
والشباب التونسي اليوم هو زهرة الأمل التي نؤمن بأن شذاها سيملأ الوطن عبق الوحدة والسلام.

حاورته: منارة تليجاني